بالنظر لرخص أسعار ملح الطعام في الأسواق الألمانية، فقد كان السكان يرشونه في الشتاء الماضي على الثلج في الشوارع ليقللوا مخاطر الانزلاق، لكن هذه المادة الرخيصة قد تكلف صحة الإنسان غاليا حينما يبالغ في تناولها ويعرض نفسه لأمراض القلب والدورة الدموية.
وتقول مجلة «الطبيب الألماني» إنها تقدم علاجا مجانيا، أرخص من سعر الملح، لمن يود تفادي مخاطر ضغط الدم والجلطات القلبية والدماغية ومفاده: قلل تناول الملح 3 جرامات يوميا فقط كي تتفادى هذه الأمراض الخطيرة بنسبة تتجاوز 25 في المائة.
وتستشهد المجلة بإحصائية لوزارة الصحة الألمانية تقول إن استهلاك الفرد الألماني من ملح الطعام يبقى عاليا نسبيا، ويعرض هذا الإنسان للأمراض، على الرغم من أنه يقل عن معدل استهلاك الأمم الأخرى، مثل الولايات المتحدة.
فالألماني يتناول يوميا كمعدل 7.3 جم من ملح الطعام، وهو أعلى استهلاكا للملح من الألمانية التي تتناول 6 جم من الملح يوميا.
من جهتها، تشير إحصائية دائرة الصحة الأميركية إلى أن الأميركي يتناول 10 جم من ملح الطعام يوميا كمعدل (7.5 جم لدى النساء)، وتقترب هذه الكمية من وزن ملعقة شاي منه.
الملح والجلطات
وذكر البروفسور هاينر جريتن لمجلة «الطبيب الألماني» أن تقليل 1 جم يوميا من ملح الطعام اليومي لن يضر بصحة الألماني، بل يحسنها، ويمكن لمثل هذا الإجراء في الولايات المتحدة أن يقلل معدل الوفيات بسبب ضغط الدم والجلطات إلى حد كبير.
وحسب إحصائية جريتن، الاختصاصي في أمراض التمثيل الغذائي (الأيض) ورئيس عيادة القلب «اسكيلوبيس» في هامبورغ، فإن تقليل تناول ملح الطعام بكمية 1 جم يوميا يمكن أن يقلل الوفيات جراء ضغط القلب والجلطات بمقدار 10 إلى 20 ألف حالة في ألمانيا سنويا. وللمقارنة، فإن معدل الوفيات على الطرقات بسبب حوادث السيارات في ألمانيا لا يتعدى 4160 حالة سنويا.
وطبيعي، فإن تقليل الملح يعني أيضا تقليل نسبة البدينين والمعانين من الأمراض الناجمة عن قلة الحركة.
وحسب إحصائية نقابة الأطباء فهناك 30 مليون ألماني يعانون من مشكلات ارتفاع ضغط الدم، أي ما يشكل 40 من السكان.
وترتفع هذه النسبة كثيرا لتبلغ 50 في المائة بين النساء والرجال الذين تعدت أعمارهم الستين سنة. فالإنسان بعد الستين يعاني بهذه الدرجة أو تلك من تراجع عمل الكلية الوظيفي وهذا ما يزيد تركيز الملح في الدم أكثر.
ويمكن لتقليل تناول الملح أن ينقذ حياة الملايين على المستوى العالمي. وتعتبر الجلطات القلبية والسكتات الدماغية سبب الوفيات الأساسي في الصين التي يتعدى عدد سكانها الـ1.2 مليار نسمة. وتفكر الحكومة الصينية حاليا في كتابة كمية الملح في كل وجبة طعام كي تحذر السكان منه.
الملح «الخفي»
وتعتبر الأعراض الآنية لضغط الدم مثل الصداع والتعب ونزف الأنف من الأعراض الحادة «البريئة» مقارنة بالمضاعفات بعيدة المدى التي تمتد بين أمراض القلب والدورة الدموية والاضطراب الجنسي وضعف البصر.
ويتعرض المعانون من ارتفاع ضغط الدم في ألمانيا سنويا لـ220 ألف سكتة دماغية ينتهي نصفها برحيل المريض. وأضاف جريتن أن تقنين تناول ملح الطعام ينقذ حياة الإنسان، خاصة إذا ما ترافق مع بعض الرياضة وتقليل الوزن وموازنة الغذاء بالشكل الصحيح.
الخطير في الأمر هو «الملح الخفي» الذي يتسرب إلى جسم الإنسان من دون معرفته، لأن الإنسان قادر على تقدير كمية الملح المباشر الذي يضعه في الطعام، لكنه غير قادر على تقدير كمية الملح في النقانق مثلا.
فهناك كمعدل 3 جم ملح في كل 100 جم من النقانق، وترتفع هذه الكمية في بعض الأسماك إلى 15 جم لكل 100 غم منها، كما يوجد الملح الخفي في مشتقات الحليب والأكلات الجاهزة والمعلبات.
تقليل الإصابة بالجلطة
ونشرت جامعة سان فرانسيسكو إحصائية عن تناول ملح الطعام تكشف أن الأميركيين هم أبطال العالم في ذلك كما هي حالهم في تناول الشحوم والوجبات الجاهزة والبدانة.
ويتناول الأميركي الذكر 10.3 جم ممن ملح الطعام يوميا ويعرض نفسه بالتالي لمخاطر السكتات الدماغية مرتين أكثر من المعدل.
وجاء في الدراسة التي نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين» أن تقليل تناول ملح الطعام بمقدار 3 جم يوميا يعني تفادي 100 ألف جلطة قلبية. ويمكن لمثل هذا الإجراء أن يمنع الوفاة المبكرة لأكثر من 50 ألف أميركي سنويا.
وكتب البروفسور كيرستن بيبن ـ دومينجو، الذي أعد الدراسة، أن خفض تناول ملح الطعام بمقدار 3 جم فقط يوميا يعني تقليل عدد المعانين من أمراض القلب والدورة الدموية بين 60-120 ألف فرد، كما يعني 32-66 ألف سكتة دماغية أقل، و54-99 ألفا أقل لحالات الوفاة بهذه الأمراض سنويا.
وظهر من البحث أن كل فئات وطبقات الشعب الأميركي تتضرر على الشاكلة نفسها من ملح الطعام. وتستفيد النساء أكثر ممن الرجال من تقليل تناول الملح، ويقلل المسنون بذلك مخاطر السكتة الدماغية عليهم ويطيل الشباب حياتهم أكثر.
وهذا ليس كل شيء بالطبع حسب تقديرات بيبن – دومينجو، لأن تقليل تناول ملح الطعام بمقدار 3 جم يوميا يمكن أن يحفظ للأميركيين 200-400 ألف يوم حياة هانئ خال من الأمراض.
ويقتصد للناس والدولة وشركات التأمين مبلغ 24 مليار دولار أميركي هو تكلفة معالجة الأمراض الناجمة عن المبالغة في تناول الملح الذي يتكون من كلوريد الصوديوم.